عائد من TED – الحلقة الثانية

في صباح جميل في فانكوفر وركضة حالمة بجوار حديقة ستانلي الجميلة في محاولات لإصلاح ساعتي البيولوجية ، أو محاولتي ل“أضبط نومي ” كما كانت تقول لي دائماً  .. بصوتٍ متضخم وبنوع من التهكم المحبب إلى قلبي ..في إشارة إلى أن معالجتي للنوم .. معادلة صعبة الحل في الغالب ..  عجيب أن يسخر منك أحدهم .. وتُحب تلك السخرية  !

 أصل ظهراً لتسجيل الحضور للفعالية ، عمل فحص كرونا ( تباً ، لازلنا هنا ) ثم استلام البادج الخاص بالدخول للفعالية .

تم سحب عينة (رغم أنفي ) أقصد من أنفي للفحص . انتظر ١٥ دقيقة بالخارج ستصلك النتيجة على البريد الإلكتروني – بعدها يمكنك العودة لاستلام البادج الخاص بك وتسجيل الدخول ..

أخرجت هاتفي واتصلت بأمي .. 

  • الحمد لله وصلت البارحة ، أتوقع اني ساعتي البيولوجية في تحسن ملحوظ خصوصاً نوم رمضان قبل السفر ، لقد كانت ليلة البارحة لطيفة خفيفة ، تناولت العشاء مع صديق في الفندق واليوم قمت بعمل فحص كرونا قبل قليل ، بانتظار النتيجة. 
  • حفظك الله يابني – عُد لنا سالماً .. أتمنى أن يُحقق الله مرادك و مبتغاك من سفرك .

بعد ربع ساعة تقريباً وصلني بريد الكتروني .. ” مرحباً بك .. أنت لست مصاب بفيروس كوفيد-١٩ .. يمكنك التوجه لاستلام البادج الخاص بك في مقر الفعالية ” 

استملت البادج الخاص بي ومعي  حقيبة معبأة بالهدايا وعليها اسمي ( Abdelrahman Ibrahim ) استلطفت فكرة التخصيص ، هذه الحقيبة أُعدت لك ! خصيصاً . 

فقرة تسوق سريعة ، هذه أول رحلة أمارس تجربة BIT  ( اشتره من هناك  – Buy It There )  ذهبت إلى مجمع تسوق قريب من الفندق – ساعة من التسوق كانت كافية لشراء ثلاثة قصمان وجينز جديد وجاكيت من الجلد الفاخر ليناسب الفعالية وجو فانكوفر الغير متوقع .

هنا السابعة مساءً 

عشاء المستجدون .. تذكرت اليوم الأول في المدرسة ، كان والدي حفظه الله يتوجه إلى الفصل لحجز المقعد الأول لي ! لا يعلم أن المشاغب بداخلي كان دائماَ يرغب في الكرسي الأخير في الصف ليمارس العبث ! 

بداخلي دائماً متمرد صغير أخرجته على كبر ! 

تذكرت اليوم الأول في الجامعة ، لا تعرف أحداً ويتفنن السابقون بعمل المقالب فيك ، أنت تائه في الغالب ، على أن لغتي الانجليزية لم تكن تساعدني ، نظرات من حولك تحاول أن تُقولبك لأي فئة تنتمي أنت ، لم يكن شعري الطويل وسحنتي العربية تساعد على تحديد لأي فصيل أنتمي . 

لكن هنا مستجدون من نوع فاخر ! العشاء في مطعم فندق Pinnacle ذو الخمس نجوم والمطل على المحيط ..

كان الوصول للموقع سهلاً  بفضل اللوحات التي يحملها المنظمون التي توجهك إلى مقر الفعالية .

أقف وحيداً في طرف القاعة أحمل صحناً فيه بعض المقبلات ، رأيت أحدهم يبتسم لي  ، اقترب مني – يرتدي جينزاً وقميصاً متواضع – شعره فضي مختلط بالسواد مفروق من المنتصف بشكل شبه عشوائي 

مد يده مصافحاً – 

بالإنجليزية 

– مرحبا – أنا ديفيد 

مرحباً أنا- عبدالرحمن إبراهيم سعدت بلقائك – يمكنك مناداتي بإبراهيم  

من أين أتيت ؟ 

من السعودية  

اوه جميل – للتو عدت من ذلك الجزء من العالم – كنت في دبي قبل أسبوعين – أخرج هاتفه – وأراني صورة له مع الشيخ محمد بن راشد – حاكم دبي 

  • ماذا كنت تفعل هناك ؟ 
  • تم استضافتي من قبل الإمارات لتقديم ورشة عمل عن كيف يمكن أن نتحكم في الأعصاب باستخدام التقنية   – اخرج محفظته وأراني الإقامة الذهبية من الإمارات  – لقد أهدوني هذه الإقامة .. ربما يوماً من الأيام سأجرب العيش هناك ولو لفترة قصيرة ، هل المعيشة هناك مُكلفة ؟ 
  • نوعاً ما ، حسب مستوى المعيشة . أين تعيش الآن ؟
  • في بالو التو – لأني أعمل في جامعة استانفورد  ولدي شركتي الخاصة في السيلكون فالي 
  • أنا – وكل علامات اللإستفهام والدهشة بداخلي- محاولاً ضبط النفس – واو رائع جداً – لن تكون المعيشة في دبي أغلى من كاليفورنيا بالطبع – خصوصاً لو كنت تعمل في الإمارات فلن تدفع كل هذه الضرائب للعم سام .
  • جميل جميل ، ربما يوماً ما — ماهو عملك إبراهيم ؟ 
  • * محاولة لتلخيص الفوضى في حياتي العملية خلال هذه الأيام * أنا في الأساس مهندس برمجيات وأعمل حالياً في عدة منتجات رقمية .. في الحقيقية أنا مهتم جداً بمجال الحساسات لقياس  العلامات الحيوية للإنسان ، كنت أبحث سابقاً في مجال ال      Quantified Self (QS) وحضرت العديد من لقاءات ال QS في ال سنتا كرلا أثناء تواجدي في كاليفورنيا
  • واو ، يبدو أن لدينا الكثير لنتشاركه ، لابد أن نبقى على تواصل ، هل لديك مانع أن نتبادل بيانات التواصل دعنا نتواصل بتطبيق TEDconnect قام بتصوير البادج الخاص بي لتصلني على الفور دعوة للتواصل من ديفيد والبيانات الخاصة به 
  • شكراً لك – سعيد بلقائك ديفيد  

لم يكن محدثي سوى ديفيد ايجلمان الأستاذ في جامعة ستانفورد – متحدث في TED سابقاً ، مؤلف كتاب “The brain – the story of you ” من ألمع الباحثين في علوم المخ والأعصاب في العصر الحالي

لك أن تتخيل أن هذا أول شخص أقابله في الفعالية 

تعلمت من ديفيد   : 

  • التواضع
  • كن مستمعاً جيداً 
  • اشرح فكرتك ببساطة لمن أمامك 
  • اظهر اهتمامك بالآخرين 
  • ابن شبكة علاقات جيدة . 

هذا مقطع من 2015 يظهر فيه ديفيد على مسرح TED

أكملت الليلة بالحديث مع مجموعة أشخاص ، كل منهم لديه قصة ، تجربة أو حلم ، أتفق مع بعضها وأختلف مع البعض ، لكن هذه طبيعة الحياة .. تعرفت على الكثير والأغلب منهم لدينا نقاط نلتقي فيها ، هذا مهتم بالرياضة وهذا مهتم بالتقنية .. وغيرها

ليلة صاخبة ، في الغالب لا أحب هذه الأجواء ، لا أحس بالانتماء لها .. لكن الغريب هذه المرة أن تواصل الأشخاص من حولي معي جعلني أشعر بأريحية ، يمكن أن يُحيك أحدهم ويتحدث معك لفترة وكأنه يعرفك . مهارة التحدث إلى الغرباء المختلفون عنك ، اكتشفتها في هذه التجربة ، ربما سأكتب عنها في الحلقات القادمة .

Facebooktwittertumblr


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *